- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مع اسم من أسماء الله ( الرزاق ):
ولازلنا أيها الإخوة مع اسم ( الرزاق ).
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
والآية التي ينبغي أن تكون في مقدمة هذا الدرس، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
1 – الآية في معناها السياقي والمعنى العام:
أحياناً الآية لها معنىً في سياقها، والآية وردت في سورة الطلاق، أي أنه من يتق الله في تطليق زوجته، فيطلقها طلاقاً سنياً لا طلاقاً بدعياً يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، أما إذا نزعت الآية من سياقها فلها معان لا تعد ولا تحصى.
2 – الآية في معناها العام:
فمن يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي.
ومن يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم.
ومن يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف ماله.
ويمكن أن نتحدث عن هذه الآية ساعات وساعات، ولكن في موضوع الرزق، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
الأمر بيد الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
فهذا الذي يستقيم على أمر الله له عند الله رزق وفير، وهذا الكلام ينطبق على كل مسلم إلى يوم القيامة، وهذا الوعد فوق الظروف الصعبة، وفوق انتشار البطالة، وفوق قلة المكاسب، جميع الظروف الاستثنائية التي تحول بين الإنسان والرزق تعطل مع هذا الوعد الإلهي، لكل مسلم إذا استقام على أمر الله عز وجل، وكل إنسان يتعامل مع الله وفق هذه الآية له عند الله رزق وفير.
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
وذكرت أن الإنسان حينما يبحث عن مخرج فمعنى ذلك أن الأبواب كلها مغلقة.
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
***
فعلاقتك مع الله في هذا الموضوع أن اتقِ الله
" عبدي، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك وما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ".
في هذا الموضوع لو أن الإنسان تعامل مع الله مباشرة فاتقى الله، وحرص حرصاً لا حدود له على طاعته، فالله عز وجل هو الرزاق، يرزقه من حيث لا يحتسب، والقصص التي تؤكد هذا المعنى كثيرة لا تعد ولا تحصى، وهذا ليس خاصا بإنسان دون إنسان، هذا لكل مسلم.
سيدنا يونس في بطن الحوت قصةٌ وقانون:
أوضح لكم هذه الحقيقة من خلال هذه الآية عن سيدنا يونس، نبي كريم يجد نفسه فجأة في بطن حوت، والحوت وزنه مئة وخمسون طنًّا، خمسون طنا من لحم، و خمسون طنا من عظم، خمسون طنا من دهن، يستخرج منه تسعون برميلا زيتا، والإنسان بإمكانه أن يقف على فم الحوت بقدميه، ووجبة الحوت المعتدلةُ أربعة أطنان، قال تعالى:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ (88)﴾
دقق الآن، قَلَبَ الله القصة إلى قانون، قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
في كل زمان، وفي كل مكان، وفي كل مصر، وفي كل قطر، وفي كل ظرف، إن كنت في الهواء، أو كنت على أطباق الماء، أو كنت تحت الثرى.
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
سيدنا موسى وفرعون:
هذا القرآن لنا، هذا القرآن يبين لنا أن الله مع المؤمن، قال تعالى:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾
احتمال النجاة صفر، فرعون بجبروته، بطغيانه، بحقده، بأسلحته، بما يملك يتبع شرذمة قليلة، والبحر أمامهم.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
هذا الكلام لنا، ينبغي ألا نيئس، ألا نقع في الإحباط، أن نحسن الظن بالله، إذاً:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
كن صادقاً، كن أميناً، انصح الناس، لا تفكر أن تكسب الرزق بمعصية، فما عند الله لا ينال بمعصيته، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
والقصص التي تؤكد هذا المعنى والله لا تعد ولا تحصى.
قانون التيسير:
أيها الإخوة، الإنسان أحياناً يشكو من التعسير، لكن ربنا وإلهنا وخالقنا يقول:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
الأمور ميسرة، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
التيسير له قانون، واللهُ عز وجل التعامل معه وفق قواعد ثابتة.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) ﴾
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)﴾
تقول: لي أعمال خطيرة، لي ذنوب كبيرة، نقول لك:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) ﴾
ثلاث آيات في سورة الطلاق:
الأولى:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) ﴾
الثانية:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
الثالثة:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
وسائل وأسباب زيادة الرزق:
هل من وسائل ذكرها القرآن الكريم، أو هل من أسباب بيّنها الكتاب في زيادة الرزق، وكما تعلمون الإنسان حريص حرصاً لا حدود له على بقائه، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، وعلى رزقه:
1 – الاستقامة على أمرِ الله:
الله عز وجل يقول:
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾
أول أسباب زيادة الرزق الاستقامة على أمر الله، فقد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية.
إن بيتا تؤدى فيه الصلوات، ومحلا تجاريا فيه غض بصر، فيه ضبط لسان، فيه إقامة صلوات، هذا البيت والمحل التجاري مرزوقان.
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾
أحد أكبر أسباب زيادة الرزق الاستقامة.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ﴾
الحزن مع الإيمان بالله مستحيل، الأمر بيده، وهو معنا يسمع ويرى، ويعلم، والأمر كله بيده، لذلك:
كن مع الله تـر الله مع واترك الكل وحاذر طمعك
و إذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***
فتعليق الأمل بالله عز وجل، والاستقامة على أمره أحد أسباب زيادة الرزق.
2 – الإيمان والتقوى:
قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) ﴾
أحياناً تنزل أمطار ما ينزل في عام بأكمله يمكن أن ينزل في ليلة واحدة.
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) ﴾
مرة كنت أستمع إلى حوار صاحِبَيْ معملي تطريز، قال له: بعنا بيعًا يخيف، قال له: ما السبب ؟ قال: الأمطار هذا العام كانت غزيرة، الرزق في السماء.
أيها الإخوة، الآن الإيمان والتقوى أحد أسباب زيادة الزرق، وكل مؤمن حريص على أن يكون رزقه وفيراً، هذا شيء مكنوز في أعماقك، لذلك عليك أن تستقيم على أمر الله، الآية الدقيقة:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) ﴾
عليك أن تعبد الله، وعلى الله الباقي.
هناك معنى دقيق جداً:
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ﴾
عليك أن تعبد الله، والله سبحانه وتعالى يتولى أن يرزقك رزقاً وفيراً فاشكر بعدها.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) ﴾
أنا لا أريد لإنسان يؤمن بالله أن ييئس، أن يشعر بالإحباط، أن يقول: الأمور صعبة جداً، على الله ليس هناك شيء صعب، على الله كله يسير، ما عليك إلا أن تستقيم على أمره.
3 – الصلاة:
الآن أحد أسباب زيادة الرزق:
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) ﴾
﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) ﴾
الأب أحياناً يسأل: أتناول ابنه الطعام قبل أن ينام ؟ تقول له أمه: أكل، هل كتب وظائفه ؟ نعم، كتب، وقلّما يسأل امرأته: هل صلى العشاء ؟
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) ﴾
البيت الذي تؤدى فيه الصلوات بيت مرزوق، المحل الذي يصلي أفراده الصلوات الخمس محل مرزوق.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132) ﴾
واصطبر على أدائها.
(( علموا، ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))
هذا سبب ثالث لزيادة الرزق أن تقام الصلوات في البيت وفي العمل.
4 – الاستغفار:
شيء آخر، هناك رجل جاء إلى بعض العلماء يشكو له عدم الإنجاب، قال له: استغفر الله، إنسان آخر يشكو له من مشكلة فيما بينه وبين أهله، قال: استغفر الله، وإنسان سأله أن المطر لا تهطل، فقال له: استغفر الله، قال: عجبت لك يا إمام، أو كلما سألك إنسان تقول له: استغفر الله، قال: اسمع قوله تعالى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ﴾
هذا كلام خالق السماوات والأرض، وزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين.
أيها الإخوة الكرام، المسلمون ينعمون في بحبوحتين، بحبوحة اتباع سنة رسول الله وبحبوحة الاستغفار، الدليل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
5 – اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام:
معنى الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى: أي يا محمد، ما دامت سنتك مطبقة في بيوتهم، وفي أعمالهم، وفي كسب أموالهم، وفي إنفاق أموالهم، وفي حلهم وترحالهم، وفي أفراحهم وأتراحهم، مادامت سنتك مطبقة فيهم فأمتك في مأمن من عذاب الله، فإذا عذبت أمة محمد عليه الصلاة والسلام فهذا دليلُ عدمِ تطبيق السنة.
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب أمته ومنهج النبي عليه الصلاة والسلام مطبَّق فيها، هذا المعنى يذكرنا بأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( يَا مُعَاذُ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
أنشأ الله لك حقاً عليه إذا عبدته ؛ لك حق عليه ألا يعذبك، لذلك:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (18) ﴾
هذه دعواهم:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾
وإذا قال المسلمون: نحن أمة محمد، يقال لهم قياساً على هذه الآية:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾
الإمام الشافعي يقول: " لو أن الله قبِل دعواهم لمّا عذبهم، لأن الله لا يعذب أحبابه "، فكن مع الله تر الله معك.
أيها الإخوة الكرام، نحن في بحبوحة أخرى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (33) ﴾
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ﴾
نحن في بحبوحتين ؛ بحبوحة طاعة رسول الله، وبحبوحة الاستغفار.
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ﴾
6 – صلة الرحم:
أيها الإخوة، سبب آخر لزيادة الرزق في الحديث الشريف الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ـ أي في أجله ـ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
أحد أسباب زيادة الرزق أن تصل رحمك، وأن تعفو عمن ظلمك، فلذلك أنا أضع بين أيديكم قواعد من كتاب الله ومن سنة رسول الله لزيادة الرزق، وشيء معروف عند كل الناس أن الابن إذا كان باراً بإخوته وأخواته فله رزق وفير، وأيّ إنسان يخرج من ذاته لرعاية مَن حوله مِن أقربائه فهذه صلة للرحم.
من السذاجة أن نتوهم أن صلة الرحم أن تطرق باب قريبك في العيد، وتسلم عليه، وتعود إلى بيتك، صلة الرحم تبدأ باتصال هاتفي، تمر بزيارة، بتفقد الأحوال، بمساعدة، بدلالة على الله، فإذا اتصلت به وزرته، وتفقدت شؤونه وأعنته، ثم دللته على الله فهذه هي صلة الرحم.
وصلة الرحم ضمان اجتماعي على المستوى القرابة، ورعاية الجار ضمان اجتماعي آخر على مستوى الجغرافيا، فأنت لك أقرباء، ولك جيران، فالله عز وجل أوصاك بأقربائك، وأوصاك بجيرانك، وهذا النظام تضامن اجتماعي في الإسلام، لذلك:
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ـ أي في أجله ـ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
7 – إقامة القرآن:
أيها الإخوة الكرام، سبب آخر لزيادة الرزق يقاس على آية، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾
المسلمون القرآن، ونقول للإخوة المسلمين: لو أن المسلمين أقاموا القرآن الكريم في بيوتهم لأكلوا مِن فوقهم، ومِن تحت أرجلهم، هذه آيات دالة على عظمة الله، وهذه آيات مبشرة، اقرأ القرآن الكريم، وانظر إلى البشريات التي فيه لمَن استقام على أمر الله.
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
لكن كفكرة سلبية في هذا الدرس، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (188) ﴾
سمّى الله مال أخيك مالك، من زاوية واحدة، من زاوية وجوب الحفاظ عليه، كيف أنك تحافظ على مالك.
للتقريب: لو أنك أعرت مركبتك لصديقك تقول له: اجعلها كأنها مركبتك، أي: اعتني بها.
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ (188) ﴾
لا تأكل مال أخيك، لأنه يجب أن يكون بمثابة مالك من زاوية واحدة لا من زاوية أكله، بل من زاوية الحفاظ عليه، لذلك كل أنواع الغش في البيع والشراء من باب أكل أموال الناس بالباطل، كل أنواع التزوير، الإيهام، الاحتكار، معاصي البيع والشراء تزيد على مئة، كل أنواع المعاصي في البيع والشراء تحت قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (188) ﴾
إذا أوهمت المشتري أن البضاعة من مصدر معين، وهي من مصدر آخر فهو أكلُ مالٍ بالباطل.
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (188) ﴾
أيها الأخوة، هذا أيضاً من تماماً الاستقامة على أمر الله:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ (188) ﴾
هناك سبعمئة ألف دعوى كيدية في قصر العدل، كلها من أجل أكل أموال الناس بالباطل، لو أنصف الناس لاستراح القاضي، وبات عن خليطه راضيا.
خاتمة:
أيها الإخوة الكرام، لا بد من التأكيد أن الاستقامة على أمر الله، والإيمان بالله، والتقوى، وصلة الرحم، وإقامة منهج رسول الله، والاستغفار هذه كلها من أسباب زيادة الرزق، وكل واحد منا حريص على زيادة رزقه، ولكن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً هو أن الله قطَع البشر عن أن يكون لهم دور في إنهاء حياة بعضهم بعضاً، وفي رزق بعضهم بعضاً، كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، وما عند الله لا ينال بمعصية الله، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتذل، وأن تعصيه وتعز، سبحانك لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، وهذه وسائل السلامة والسعادة، وزيادة الرزق، والله سبحانه وتعالى هو الرزاق، ولكن للرزق له قواعد بينها القرآن الكريم، وبينتها سنة سيد المرسلين.